هكذا يتحوّل المنتخبون من "كسالى" إلى مجتهدين خوْفا من الملك


قبل يومين فقط، كانت الحديقة الصغيرة المقابلة للدائرة الأمنية الرابعة في حيّ المحيط بمدينة الرباط، في "حالة يُرثى لها"؛ عُشب الحديقة الذي تتخلّله الأزبال لم تطلْه آلة التشذيب منذ أمد طويل، فيما كانت الجهة المقابلة للدائرة الأمنية من الرصيف محفّرة عن آخرها؛ فجأة، وبين عشيّة وضحاها، تغيّر حال الحديقة الصغيرة البئيسة من حال إلى حال، وأصبح عشبها وبضع الشجيرات المغروسة بداخلها مشذّبة بالكامل، وبعناية فائقة، وصار منظر الحديقة جميلا، صباح اليوم، لأنّ الموكب الملكيّ سيمرّ بجوارها!
التغيير لم يطل الحديقة فقط، بل طال الشارع الذي سيمرّ منه الملك لأداء صلاة الجمعة في مسجد "حَكَم"، من أوّله إلى آخره. ممرّات الراجلين، التي لم يعد لكثير منها أثر على قارعة الطريق، عادت لتظهر من جديد، بعدما "أحياها" عمّال الانعاش الوطني الذين تمّ استنفار عشرات منهم لتغيير معالم وجه الشارع، وهكذا عادت ممرات الراجلين لتظهر للسائقين وللمُشاة، بصباغة بيضاء ناصعة، ساعتين فقط قبل مرور موكب الملك!
في مقدّمة الشارع حيث يوجد مسجد "حكم"، وعلى غير العادة، "حُكم" على أصحاب بعض محلات البقالة والمقاهي البسيطة بعدم فتح أبواب محلاّتهم، وإرجاء ذلك إلى حين مرور الموكب الملكي، فيما كان عمال الانعاش الوطني منكبّون طيلة الصباح على صبْغ الرصيف، الذي لم يرَ الصباغة منذ أمد طويل، باللونين الأبيض والأحمر، وآخرون منهمكون في تنظيف قارعة الطريق، التي انقلب حالها بمائة وثمانين درجة بين عشيّة وضحاها.
التغيير لم يطُل الشوارع وأرصفتها وعشب الحديقة الصغيرة فقط، بل طال المسجد الذي سيؤدّي فيه الملك صلاة الجمعية ومحيطه أيضا؛ فإلى حدود يوم الجمعة الماضي، كانت جدران المسجد الداخلية تحمل لونا أبيضَ باهتا، وتكسو أرضيته زرابي قديمة، وقبيل ساعات قليلة من قدوم الملك اكتسى المسجد حُلّة جديدة. يقول مواطن "المصلّون الذين يؤدّون صلاة الجمعة خارج المسجد بالكادّ يسمعون صوت الخطيب، لضعف مكبّرات الصوت، واليوم سيتغيّر الوضع بدون شك، وستصير مبكرات الصوت أكثر قوة".
جدران المسجد الخارجية صُبغت، والزرابي القديمة تمّ تعويضها بزرابي جديدة وأنيقة؛ الجدران الداخلية أيضا ومصابيح المسجد طالها التغيير، ومن زار المسجد خلال يوم الجمعة الماضية، وعاد إليه اليوم، سيخال أنّ المسجد قد رُدم وأعيد بناؤه من جديد!
فحتّى الحاجز الخشبي القيدم الذي يوضع أمام الباب الأكبر للمسجد، للحيلولة بين المصلين والمارّة في الشارع، تمّ تغييره، وعُوّض بحاجز خشبي فاخر. مسجد "حكم" تمّ تزويده أيضا صباح اليوم بمكيفين للهواء، لكنّ المصلين لن ينعموا بدفء ولا ببرودة المكيفين، لكونهما سيغادران مكانهما حيث وُضعا على الرصيف مباشرة بعد انتهاء الملك من أداء الصلاة!
كلّ من مرّ من الشارع الذي سيمرّ منه الملك يُلفت انتباهه التغيير الكبير الذي طال الشارع في رمشة عين، وكثير من المواطنين يتندّرون من "الاجتهاد" الذي غمر على حين غرّة المسؤولين وخلّصوا الحديقة البئيسة من بؤسها، وبلّطوا الرصيف الذي ظلّ على مدى شهور كثيرة في رمشة عين، وطهّروا الشارع من الأزبال وأعادوا رسْم معالم ممرات الراجلين.
حال المنتخبين المغاربة الذين لا يتحركون إلا عندما يسمعون عن قرب مرور موكب الملك يلخّصة مواطن بالقول الدارج "إنهم مثل الكامون، إيلا ما تحكش ما يعطيش الريحة"، فيما يقول مواطن آخر "هؤلاء هم الذين ينطبق عليهم قول الله (يَسْتخفون من الناس ولا يستخفون من الله...).